الذكرى السادسة والثلاثون لرحيل الإمام الخميني

الإمام الخميني، صرخة حرية تدوي في العالم

يصادف اليوم الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل الإمام روح الله الخميني، تلك الشخصية التي تركت بصمةً عميقةً في تاريخ القرن العشرين، ولا تزال رسالته تتردد في قلوب ملايين البشر حول العالم. ولا يزال إرثه الروحي والسياسي حيًا، شاهدًا على كيف يمكن لرجل مؤمن أن يصبح رمزًا عالميًا للمقاومة والتحرر.
صرخة مدوية من أجل الحرية
كان الإمام الخميني أكثر من مجرد قائد ديني أو سياسي: لقد مثّل صرخة مدوية وحركة عالمية استثنائية لجميع الأحرار في نضالهم ضد الاستعمار والتخلف. يتجاوز هذا البعد العالمي لرسالته الحدود الجغرافية والثقافية، بل وحتى الدينية، مخاطبًا مباشرةً قلب كل من يطمح إلى الكرامة والاستقلال.
لم تقتصر دعوته للتحرر على إيران، بل امتدت إلى جميع شعوب الأرض المظلومة. في زمن انقسم فيه العالم بين كتل القوة، اقترح الإمام الخميني طريقًا ثالثًا: طريق الاستقلال الحقيقي، القائم على القيم الروحية والعدالة الاجتماعية.

الحركة التي غيّرت التاريخ

لم تكن الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩، بقيادة الإمام الخميني، مجرد تغيير في النظام، بل مثّلت زلزالًا جيوسياسيًا أعاد تعريف موازين القوى في العالم. ولأول مرة في التاريخ الحديث، نجحت حركة شعبية في الإطاحة بنظام تدعمه القوى الغربية العظمى، مُثبتةً قدرة الشعب على استعادة سيادته.
كان لهذه الحركة "الاستثنائية والعالمية" تداعياتٌ تجاوزت حدود إيران. فمن حركات التحرير في أمريكا اللاتينية إلى جماعات المقاومة في أفريقيا وآسيا، ألهم مثال الإمام الخميني جيلًا جديدًا من القادة الذين اعتبروه دليلًا على إمكانية تحدي النظام الاستعماري والاستعماري الجديد.

النضال ضد الاستعمار

من أهم جوانب فكر الإمام الخميني تحليله الواضح للاستعمار بصورتيه التقليدية والحديثة. فقد أدرك أن الاستقلال السياسي الشكلي لا يكفي إذا ظلت البلاد تابعة اقتصاديًا وثقافيًا وتكنولوجيًا للقوى الأجنبية.
كان مفهومه للتحرر شاملاً: يشمل الاستقلال الاقتصادي، والسيادة الثقافية، والاكتفاء الذاتي التكنولوجي، والأهم من ذلك كله، الكرامة الروحية للشعوب. ولا تزال هذه الرؤية المتكاملة للتحرر ذات أهمية في عالم تتجلى فيه أشكال جديدة من الهيمنة من خلال العولمة الاقتصادية والهيمنة الثقافية.

ضد التخلف: رؤية للتقدم

لم ير الإمام الخميني أي تناقض بين التمسك بالتقاليد الروحية والتقدم الحقيقي. بل على العكس، رأى أن استعادة هوية الشعوب الروحية والثقافية هي السبيل الوحيد لانطلاق مسيرة التنمية الحقيقية، لا المفروضة من الخارج، بل النابعة من جذورها وتطلعاتها.
لم يكن نضاله ضد التخلف تقليدًا أعمى للغرب، بل بناء نموذج تنموي بديل، قائم على قيم العدالة والتضامن والروحانية. وقد ألهم هذا النهج العديد من الحركات والمفكرين حول العالم الذين يسعون إلى مسارات تنمية بديلة للنموذج الرأسمالي الغربي.

إرث عالمي

بعد ستة وثلاثين عامًا من وفاته، لا تزال رسالة الإمام الخميني تحمل في طياتها أهميةً استثنائية. ففي عالمٍ لا يزال يشوبه انعدام المساواة والحروب وأشكال الهيمنة، لا تزال دعوته للتحرير تُلهم المناضلين من أجل العدالة والكرامة الإنسانية.
يتجاوز شخصه الانقسامات الدينية والأيديولوجية ليصبح رمزًا عالميًا للمقاومة ضد جميع أشكال الظلم. سواءً في حركات الحقوق المدنية، أو النضال ضد الاستعمار، أو مقاومة الإمبريالية الاقتصادية، فإن مثال الإمام الخميني لا يزال ينير درب أولئك الذين لا يستسلمون في وجه الظلم.

استنتاج

في إحياء ذكرى الإمام الخميني بعد ستة وثلاثين عامًا من وفاته، لا نحتفل بذكرى قائد عظيم فحسب، بل نجدد التزامنا بمبادئ الحرية والعدالة والكرامة التي جسدها. ولا يزال صدى صرخته المدوية يتردد في قلوب كل من يؤمن بعالم أكثر عدلًا وحرية.
يُذكرنا إرثه بأن العظمة الحقيقية لا تُقاس بالسلطة أو الثروة، بل بالقدرة على خدمة قضية العدالة وإسماع صوت المظلومين. وبهذا المعنى، يبقى الإمام الخميني حيًا في قلوب جميع الأحرار في العالم.
"الحرية ليست هبة، بل هي انتصار لأولئك الذين لديهم الشجاعة للقتال من أجلها."

سهم